أصبح الدفاع عن حقوق الإنسان واجبا ومسؤولية أخلاقية تتجاوز كل حدود "السيادة"، فكل دولة أصبح يتوقف عليها بقاء الإنسانية و العالم، كما أن بداية تشكيل " مجتمع مدني عالمي une société civile mondiale " يدعم المنظمات الغير حكومية و الراي العام الدولي، وقد سمحت وسائل الإعلام بترسيخ و تطوير مفهوم المسؤولية الجماعية للإنسانية، غير أن أؤلئك الذين يشغلون هذه المسؤولية اصبحوا يخدمون مصالحهم الخاصة باسم المصلحة الجماعية للإنسانية.."
عرف العالم نشوء فضاء عام واسع يهتم بحقوق الإنسان و هذا يعود حسب بعض الكتاب و المحللين إلى انتعاش ثقافة سياسية تحيي " روح نورمبرغ" ( l’esprit de nurmberg) و إلى التطور التكنولوجي و الإعلامي الكبير ، و اتساع شبكات الجمعيات الإنسانية، ما جعل العالم اليوم يعيش تغييرا جذريا على مستوى مفهوم الأمس الذي لم يعد يرتبط بمفهوم الكلاسيكي الهوبزي، و لم تعد الدول تستمد شرعيتها من خلال ضمانها أمن المواطنين على ترابها الوطني، كما أن السياسات الأمنية اصبحت مرتبطة بمراقبة التدفقات غير الوطنية، و من ثم اصبح من الصعب التمييز بين العنف العام la violence publique ، و العنف الخاص la violence privé المرتبط بمجموعة من الأنشطة كالتي تتجاوز حدود الدول، و هذا ما ينطبق على التدفقات المافيوية les flux mafieux ، و ذلك من خلال الإتجار بالمخدرات و ألسلحة و تبييض ألأموال، حيث اصبحت الشبكات ألإرهابية تتجاوز كل تاطير ترابي، و تكتسي بعدا عبر وطني يسهل عليها التحرك و التنقل عبر الحدود..
لقد عرف القرن 19 و القرن 20 عدة تدخلات للدول في السياسات الداخلية لدول أخرى، حين كانت تقتضي مصالحها ذلك، فكان مبدأ" السيادة " مقيدا منذ البداية بمجموعة من المبادئ المثالية اللتي دافع عنها المفكرون و الفلاسفة منذ القرون الوسطى، مثل مفهوم الحرب العادلة la guerre juste ، و مع منتصف القرن العشرين بدا يتكون وعي شامل بعالمية حقوق الإنسان، و قد دعا الرئيس الأمريكي ويلسون آنذاك إلى ضرورة إرساء نظام دولي اساسي رفض منطق القوة و الحرب ، و إرساء جماعة دولية اساسها التعاونت و الثقة و السلام بين الدول..غير ان النظرة الويلسونية لم تتمكن من إعطاء انبثاق حقيقي لمفهوم الجماعة الدولية ككيان يتحمل مسؤولية مشتركة بخصوص القضايا المصيرية للعالم، و لم يبدأ هذا المفهوم في التكريس إلا مع نشوء مجموعة من المؤسسات الدولية ( المجموعة الأوروبية و صندوق النقد الدولي..)..
لقد أصبح الدفاع عن حقوق الإنسان واجبا ومسؤولية أخلاقية تتجاوز كل حدود "السيادة"، فكل دولة أصبح يتوقف عليها بقاء الإنسانية و العالم، كما أن بداية تشكيل " مجتمع مدني عالمي une société civile mondiale " يدعم المنظمات الغير حكومية و الراي العام الدولي، وقد سمحت وسائل الإعلام بترسيخ و تطوير مفهوم المسؤولية الجماعية للإنسانية، غير أن أؤلئك الذين يشغلون هذه المسؤولية اصبحوا يخدمون مصالحهم الخاصة باسم المصلحة الجماعية للإنسانية..
من كتاب "عالم بلا سيادة"
الدول بين المكر و المسؤولية لبرتران بادي
منقول